مثال الحوار الصحيح فى ( رسالة الهاشمى الى الكندى) .
في القرن التاسع الميلادي، في زمن الخليفة عبد الله المأمون، كتب مسلم تقي هو عبد الله بن إسماعيل الهاشمي رسالة لصديق له مسيحي، هو عبد المسيح بن اسحق الكِنْدي، يدعوه فيها إلى الإسلام. وكان عبد الله معروفاً بالتقوى وشدة القيام بفروض الإسلام، كما كان عبد المسيح مشهوراً بتقواه وتمسّكه بالمسيحية، كما كان في خدمة الخليفة مقرَّباً إليه.
وقد ذكر الرسالتين أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية .
وقد قيل إن أمر الرسالتين بلغ الخليفة المأمون، فأمر بإحضارهما وقُرئتا عليه. فلم يزل ناصتاً حتى جاء إلى آخرهما فقال: ما كان دعاه إلى أن يتعرض لما ليس من عمله حتى أجاز كتاف نفسه. فأما النصراني فلا حُجّة لنا عليه، لأن الأمر لو لم يكن عنده هكذا لما أقام على دينه. والدين دينان: أحدهما دين الدنيا، والآخر دين الآخرة. أما دين الدنيا فالدين المجوسي وما جاء به زرادشت. وأما دين الآخرة فهو دين النصارى وما جاء به المسيح. وأما الدين الصحيح فهو التوحيد الذي جاء به صاحبنا، فإنه الدين الجامع الدنيا والآخرة .(ص65)
وقد نشرت جمعية ترقية المعارف المسيحية في لندن هذه المخطوطة عام 1885 ، وأعيد نشرها بالقاهرة عام 1912.
والهاشمى هو ابن عم الخليفة الاموى . قال فى صفة الحوار المطلوب مع المسيحيين :" ورأيت أيضا مطارنة واساقفة مذكورين بحسن المعرفة وكثرة العلم , مشهورين بشدة الاغراق فى الديانة النصرانية , مظهرين غاية الزهد فى الدنيا
وهنا نري الشروط :-
1. فناظرتهم مناظرة ناصفة ,
2. طالبا للحق مسقطا بينى وبينهم اللجاج والمراء والمكابرة بالسلطة ,والصلف والبذخ بالحسب .
3. وأوسعتهم أمنا أن يقولوا بحجتهم ,
4. ويتكلموا بجميع ما يريدونه غير مؤاخذ لهم بذلك .
ولا متعنت بشئ كمناظرة الرعاع والجهال والسقاط والعوام والسفهاء من أهل ديانتنا الذين لا اصل لهم ينتهون اليه , ولا عقل فيهم يعولون عليه , ولا دين ولا أخلاق تحجبهم عن سوء الادب و وانما كلامهم العنف والمكابرة والمغالبة بسلطان الدولة , بغير علم ولا حجة "
وقد علق ويليام موير ص 11 بقوله:" يورد مدافعنا ذكر شخص محمد باحترام فانه يشجب بقوة دعاويه انه نبي"
ثم يطلب الامير الهاشمى من الكندى المسيحى :
1. " فأكتب بما عندك من أمر دينك والذى صح منه فى يدك ,
2. وما قامت به الحجة عندك منا مطمئنا ,
3. وغير مقصر فى حجتك , ولا مكاتم لما انت معتقده ولا فرق ولا وجل .
فليس عندى الا
1. الاستماع للحجة منك والصبر والاقرار بما يلزمنى منه ,
2. طائعا غير منكر ولا جاحد ولا هائب حتى نقيس ما تأتينا به وتتلوه علينا ونجمعه الى ما فى ايدينا ثم نخبرك بعد ذلك ,
3. على ان تشرح لنا علته.
وتدعى الاعتلال علينا بقولك : ان الفزع حجبك وقطعك عن بلوغ الحجة واحتجت ان تقبض لسانك ولا تبسطه لنا ببيان الحجة . فقد اطلقناك وحجتك , لئلا تنسبنا الى الكبرياء , وتدعى علينا الجور والحيف . فان ذلك غير شبيه بنا فاحتج عافاك الله بما شئت وتكلم بما احببت وانبسط فى كل ما تظن انه يؤيدك الى وثيق حجتك , إنك فى اوسع الامان ".
ولكن من هو الحكم
"ولنا عليك اصلحك الله اذ اطلقناك هذا الاطلاق ويسطنا لسانك هذا البسط , ان تجعل بيننا وبينك حكما
صفاته:-
1. عادلا لا يجور ولا يحيف فى حكمه وقضائه ,
2. ولايميل الى غير الحق ,
3. اذا ما تجنب دولة الاهواء ,
ومن ينطبق عليه تلك الصفات:-
وهو العقل الذى يأخذ به الله عز وجل و يعطى .
وظروفه:-
1. فاننا قد انصفناك فى القول
2. واوسعناك فى الامان
ونحن راضون بما حكم به العقل لنا وعلينا " اذ لا اكراه فى الدين "
على مثل هذا الانصاف والتحكيم يقوم الحوار الصحيح الحكيم بين الانجيل والقرآن والمسيحية والاسلام .
وقد اعطى اغسطين احد قادة الفكر فى الانسانية القاعدة المثلى للحوار : "ان قارئى اذا شاطرنى عقائدى فليماشنى , واذا شاطرنى شكوكى فليبحث معى , واذا وجد نفسه على خطأ فليرجع عنه معى , واذا وجدنى انا نفسى على خطأ فليردنى عنه "
تعليقات
إرسال تعليق