القائمة الرئيسية

الصفحات

القديس أثناسيوس وعقيدة الكفارة ’البدلية العقابية‘-كريستوفر أنس

 

القديس أثناسيوس وعقيدة الكفارة ’البدلية العقابية‘ 

مترجم بواسطة: كريستوفر أنس



إنني أذكر نصيحة سي إس لويس أنه لو كان يجب علينا أن "نقرأ القديم أو الجديد، فإنني أنصح بقراءة القديم."

ومنطقه هو أن 

"الكتب الجديدة تكون قيد التجربة والهواة ليسوا في موقع الحكم عليها. فهي تحتاج أن تختبر في ضوء كتلة الفكر المسيحي حسبما فهم عبر العصور."

هذا ينطبق، حسبما أعتقد، على الأفكار والعقائد المسيحية أيضا؛ فإنها يجب أن تتفق مع وأن تختبر في ضوء ’كتلة الفكر المسيحي حسبما فهم عبر العصور‘. وللأسف فإن الكثيرين في العالم المسيحي اليوم يقبلون - دونما فحص - أفكارا مُررت إليهم في حين أنها لا تتسق مع اختبارها على معيار ’كتلة الفكر المسيحي حسبما فهم عبر العصور‘. ما هو أكثر إزعاجا هو أن كثيرا من المسيحيين لا يعرفون - أو يهتمون - أنهم يقبلون ابتكارات لاهوتية من القرون المتأخرة أو الحديثة، والبعض منها لا يتماشى مع تعاليم الكنيسة الأولى (أو أسوأ، ربما حتى تتعارض معهم)

أعتقد أن العقيدة الإنجيلية (البروتستانتية) الجوهرية التي تتعلق بالكفارة البدلية العقابية (عقاب المسيح البدلي عن خطايا الإنسانية باعتباره العمل أو الإنجاز الأساسي للصليب) هي واحدة من تلك العقائد. اللاهوتي الإنجيلي البروتستانتي المعاصر جيمس إنل باكر يدعوها:

"علامة مميزة للأخوية الإنجيلية في جميع أنحاء العالم: أي الإيمان أن للصليب طابع البدلية العقابية، وأنه بحكم هذه الحقيقة مُنح الخلاص للبشرية."[1]

أحد الاكتشافات المثيرة التي اكتشفتها أثناء قراءة كتاب القديس أثناسيوس الهام، المكتوب في القرن الرابع الميلادي، هو الغياب الكامل لهذا المفهوم الذي أصبح مركزيا لرسالة الإنجيل نفسها بالنسبة إلى العديد من المسيحيين الإنجيليين: أي عقيدة أن المسيح دفع بكفارة العقوبة البديلة ثمن خطايانا الفردية (التي نستحق العقاب عليها). ربما يكون بيلي جراهام من أكثر مؤيدي هذه العقيدة المعاصرين شهرة. أتذكر سماعه يعظ عدة مرات على شاشة التلفاز بأن المسيح عانى ميتة فظيعة جزاء لخطاياك وخطاياي. لم يتردد صدى هذه الفكرة معي أبدا إذ أثارت إشكالات مزعجة حول طبيعة الإله الذي تطلب مثل هذه العدالة التي يخدمها.

ومع ذلك فإنه كما يلاحظ اللاهوتي جيمس باكر، فإن الغياب الصارم لهذه الرؤية عند آباء الكنيسة المبكرة لا يجب أن يكون مفاجئا، إذ أنه تفسير قروسطي من القرن السادس عشر:

"... كان لوثر وكالفن وزوينجلي ومعاصريهم المصلحون روادا في التصريح بهذا (لاحظ)... ما قام به المصلحون هو إعادة تعريف (الترضية)، وهو المذهب الفكري الرئيسي في القرون الوسطى حول الصليب. عد كتاب أنسلم ’كيف تجسد الله؟‘، الذي حدد – بدرجة كبيرة – تطور هذه الفكرة في القرون الوسطى، ترضية المسيح عن خطايانا تقدمة لتعويض ما حدث من إهانة لله، بينما عدها المصلحون اجتياز عقوبة نيابية لتلبية مطالب حكم الله وغضبه المقدسين (أي عدله القصاصي)"[2].

مشكلة هذه العقيدة ليست في فكرة ’البدل‘. فهم آباء الكنيسة الأولى، بالطبع، معنى وعمل المسيح الفدائي باعتباره ’بدلا‘ (أي المسيح في مكاننا). فيكتب القديس أثناسيوس نفسه:

" وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلاً لطبيعة أجسادنا، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضًا عن الجميع، وقدّمه للآب (لاحظ – تقدمة، لا عقوبة). كل هذا فعله من أجل محبته للبشر أولاً: لكي إذ كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر."[3] ويكتب القديس بعد ذلك أن موت الرب على الصليب كان "نيابة (لاحظ) عن الجميع"[4]. ثم يكتب بعد ذلك عن موته على الصليب باعتباره "وفاء الدين المستحق (لاحظ) عن الجميع"[5]، وأخيرا يكتب أنه "قد مات لأجل فداء الجميع"[6].

بالنسبة للقديس أثناسيوس، فإن الكلمات ’عوض‘ و’دين‘ و’فدية‘ تستخدم لشرح عمل ربنا الكفاري عنا على الصليب. قارن هذا مع الشرح الأكثر ناموسية وعقابية الذي قدمه جون كالفن في كتابه (أسس الدين المسيحي):

"ولذا نرى الخاطئ والشرير ممثلين في شخص المسيح، لكن من خلال براءته الساطعة يتضح في الوقت عينه أنه كان مثقلا بخطية آخر وليس بخطيته هو"[7].

ما هي المشكلة مع نظرية البدلية العقابية؟ عبر كاتب معاصر عن المشكلة بشكل جيد قائلا:

"نظرية البدلية العقابية ناموسية بشكل كامل. فهي تفترض أن نظام القانون والعدل مطلق؛ وأن الغفران المجاني سيكون انتهاكا لهذا النظام المطلق؛ يجب أن تكون محبة الله محدودة بعناية لئلا تتعدى على مطالب العدل. فالخطية جريمة بحق الله ويجب أداء العقاب قبل أن يصبح الغفران متاحا. ووفقا لوجهة النظر هذه فإن محبة الله مشروطة ومحدودة بعدله. أي أن الله لا يستطيع أن يمارس محبته لخلاص الإنسان حتى يرضي بره (عدله). بما أن عدل الله يقضي بعقاب الخطية، فإن محبة الله لا تقدر أن تخلص الإنسان حتى توفي عقاب الخطية، مرضية عدله. إن محبة الله تعارض بره، مما يخلق توترا وإشكالا في الله...وحسب هذا اللاهوت الناموسي، فإن هذا هو سبب حاجة المسيح للموت؛ مات ليوفي عقاب خطية الإنسان ولإرضاء عدل الله (لاحظ). فضرورة الكفارة هي ضرورة إرضاء عدل الله، وهذه الضرورة تخص الله لا الإنسان (لاحظ). وبما أن هذه الضرورة تخص الله، فهي ضرورة مطلقة. فإذا أراد الله أن يُخلِّص الإنسان، فيجب أن يرضي عدله قبل أن يتمكن في المحبة من تخليص الإنسان."

بالنسبة للكثيرين ممن يريدون معرفة ربنا، إله الحب، فإن فكرة أن الله الآب تطلب أن يعاني المسيح العقاب من أجل إشباع أو إرضاء بره أو عدله فكرة مقيتة، مما يبعد الكثيرين عن قبول محبة الله ورحمته الحقيقية وتحريف الفهم الصحيح لطبيعة الله الآب.

كيف نفهم نحن الأرثوذكس الشرقيين وتقليد الكنيسة المبكرة مفهوم الدين، والعوض، والفدية ولمن دُفعت؟

يكتب القديس أثناسيوس: "لأنه بذبيحة جسده الذاتي وضع نهاية لناموس الموت الذي كان قائمًا ضدنا. وصنع لنا بداية جديدة للحياة..."[8]

لمن قدم هذه التضحية؟

" لذلك قَدّم للموت ذلك الجسد الذي اتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب. وببذله لهذا الجسد كتقدمة مناسبة، فإنه رفع الموت فورًا عن جميع نظرائه البشر."[9]

يعلم القديس أن المسيح مات، لا لإرضاء الله الآب، بل لإنقاذ البشرية (أنا وأنت) من الموت! هذا هو ’من‘ قدم له التضحية – الحقيقة الوجودية للموت هي أن " لأن كلمة الله هو فوق الجميع فقد كان لائقًا أن يقدم هيكله الخاص وأداته البشرية فدية عن حياة الجميع موفيًا دين الجميع بموته. وهكذا باتخاذه جسدًا مماثلاً لجسد جميع البشر وباتحاده بهم، فإن ابن الله عديم الفساد ألبس الجميع عدم الفساد بوعد القيامة من الأموات. ولم يعد الفساد الفعلي بالموت له أي سلطان على البشر..."[10]

قد تبدو هذه اختلافات صغيرة، بل قد لا ترى، ومع ذلك فإن الاختلاف مهم، إذ يمثل – بشكل صحيح – طبيعة الله بكونه "محب البشر"، بدلا من مستبد أناني كوني أو عبد للناموسية الإلهية، وكذلك عمل الصليب باعتباره أسمى عمل للمحبة المضحية قام به ربنا، حيث كان الثالوث الأقدس (وما زال) يعمل بانسجام تام.



[1] جيمس باكر، مقال بعنوان: ماذا أنجز الصليب؟ منطق البدلية العقابية

[2] المرجع السابق

[3] تجسد الكلمة 8: 4

[4] تجسد الكلمة 9: 1

[5] تجسد الكلمة 20: 2

[6] تجسد الكلمة 21: 7

[7] أسس الدين المسيحي، الكتاب الثاني، الفصل السادس عشر

[8] تجسد الكلمة 10: 5

[9] تجسد الكلمة 9: 1

[10] تجسد الكلمة 9: 2

تعليقات

التنقل السريع