دموية تاريخ الوهابية ... لمحات تاريخية (2-1)
لمحة عامة قبل التفصيل
استباحة الطائف وقتل العلماء
والأطفال هاجم الوهابية الطائف ليحرروها من الشرك !! وكانت تحت حكم الشريف غالب
حاكم مكة ، وكان بينه وبين الوهابية المواثيق ، ولكنهم غدروا فتمكنوا من الاستيلاء
على الطائف ، إذ دخلوها عنوة في ذي القعدة 1217هـ/1802م فقتلوا الناس بدون تمييز
بين رجل وامرأة وطفل ؛ حتى أنهم كانوا يذبحون الرضيع على صدر أمه[1] ، كما قتلوا من وجدوا في
المساجد والبيوت ولاحقوا الفارين من المدينة فقتلوا أكثرهم ، وأعطوا الأمان للبعض
فلما استسلموا ضربوا أعناق فريق منهم ، وأخرجوا فريقاً إلى أحد الأودية ، واسمه
وادي الوج ، فتركوهم مكشوفي العورة ومعهم النساء[2].
وأخذت
الأعراب تروح وتغدو إلى الطائف فتحمل المنهوبات الهائلة التي كانت تخمَّس ، ويرسل
خمسها إلى الأمير ويقتسمون ما بقى . كما عبثوا بالمصاحف والكتب الدينية ورموها بعد
أن مزقوها ورموها في الأزقة . وعمدوا أخيراً إلى حفر بيوت المدينة حتى المراحيض
بحثاً عن المال الذي قيل لهم أنه خبئ في الأرض![3]
ويروي
ناصر السعيد أن هؤلاء الأعراب بعد أن قتلوا وذبحوا الرجال والنساء والأطفال
والصلحاء عمدوا إلى قطع أيدي النساء لانتزاع الحلي منها ، كما كانوا يتوضأون بدماء
الآدميين بعد صبه في الماء. ويذكر الجبرتي في كتابه (تاريخ عجائب الآثار في
التراجم والأخبار) أنهم ( حاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ
البلدة الوهابيون ، واستولوا عليها عنوة ، وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال ،
وهذا رأيهم مع من يحاربهم )[4]
وقد
قتل خلال هذه المجزرة الشيخ عبدالله الزواوي مفتي الشافعية بمكة المكرمة ، والشيخ
عبدالله أبو الخير قاضي مكة ، والشيخ جعفر الشيبي وغيرهم ذبحوهم بعد أن أمَّنوهم
عند أبواب بيوتهم[5].
فكيف
يمكن للمسلم أن ينسى دماء الموحدين هذه وأموالهم ، ووالله إن ما فعله بنا اليهود
بأيديهم ليس بأفظع من ذلك ، فعلى أقل تقدير فإن اليهود لم يسوقوا نساءنا سبايا !
إنه من مسلسل التآمر النصراني اليهودي على بلاد الإسلام ، ينفذه تلميذهم محمد بن
عبد الوهاب وأتباعه من الأعراب الذين ليس لهم دين ، نعم لقد كان القادة النصارى
واليهود يسيرونهم كيف ما أرادوا للقضاء على الكيان الإسلامي ، وقد ذكر ذلك مفصلاً
أستاذهم الأول المستر همفر في مذكراته ، وقائد قوات الوهابية جون فيلبي[6] في كتابه (أربعون عاماً في
الجزيرة العربية ) قائلاً ( بعد أن يئسنا من الحسين حركنا جنود الإخوان[7] بقيادة خالد بن لؤي وفيصل
الدويش وسلطان بن بجاد لسفك دماء غزيرة في الطائف لتوقع الرعب في قلوب كافة
الحجازيين : البادية والحاضرة ، ونوفر بها على بقية المدن الحجازية دماء أخرى إن
أمكن الأمر ، وإلا فإن دماء غزيرة لابدَّ من إراقتها لأن الإنجليز قرروا إسقاط
الشريف حسين بأي ثمن بعد أن رفض الأمر والطلبات بإعطاء فلسطين لليهود المشردين
المساكين ، وبعد أن رفض الحسين ما عرضناه عليه بأن يكتفي بالحجاز وحده وأن يغير
وجهة نظره في توحيد البلاد العربية كلها تحت حكمه)[8]
وفعلاً
فقد سقطت مكة المكرمة بعد ذلك ، وأحرقوا بها (المكتبة العربية) ذات النفائس ، وقد
ذكرنا طرفاً من أمرهم معها في هذا الكتاب. احتلال مكة المكرمة أهل مكة يأكلون
الجيف والكلاب بعد إرعاب أهل الحجاز بقتل النساء والأطفال خلال احتلال الوهابية
للطائف عام 1217 هـ / 1802 م، لم يصبروا عن التلذذ بقتل الناس شيوخاً ونساءً وأطفالا[9] ، فبدأ هجومهم على مكة
المكرمة مباشرة فدخلوها سنة 1218هـ/1803م كما ذكر ذلك عبدالله بن الشريف حسين في
(صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر) ، أما مؤرخ الوهابية عثمان ابن بشر الحنبلي
النجدي فيذكر ذلك في أحداث سنة 1220هـ . ومن أحداث تلك الفترة المشئومة في محرم
1220هـ / 1805م أن الوهابية راحوا يقتلون الحاج ويأسرون من يمر بهم ، واشتدَّ
الغلاء في مكة بشكل فاحش لم تشهده من قبل حتى باع أهل مكة أثاثهم وحلي نسائهم بعشر
القيمة ؛ ليشتروا أقوات أطفالهم بأضعاف أثمانها . ومات الكثير من أهل مكة جوعا
وانتشرت جثث الأطفال في الأزقة ، بل وكما يذكر مؤرخ الوهابية عثمان النجدي (أن
لحوم الحمير والجيف بيعت فيها بأغلى الأثمان ، وأكلت الكلاب ، وأخذ الناس يهجرونها
نتيجة الخطر الجاثم على أطرافها ، فلم يبق فيها إلا النادر من الناس.)[10]
فما
الذي أباح الحرم الآمن الذي لم يحله الله إلا لرسوله ساعة من نهار ، وقد خطب رسول
الله قائلا (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ
عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ
قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا
وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ وَمَنْ
قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْطَى يَعْنِي
الدِّيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ)[11]. أقول ما الذي أباحه
لهؤلاء الأوباش المتعطشين للدماء الذين لا يراعون ذمة ولا حرمة ، حتى انتشرت جثث
أطفال المسلمين من أهل مكة في الطرقات ، وأكل أهل البيت العتيق لحوم الجيف والحمير
والكلاب كما يروي الوهابية أنفسهم مفتخرين لا عافاهم الله ؟ ومن شنيع أفعال
الوهابية خلال غاراتهم على مكة والمشاعر العظام أن توجه اثنان من قادتهم وهما
(عثمان المضايفي والذي أصبح أمير الطائف بعد الاستيلاء عليها وابن شكبان )
إلى عرفة فقتلا من لم يطعهما وأسرا الكثير من الناس ، ثمَّ انتقلا إلى وادي مرّ
ينهبون ويقتلون الواردين إلى مكة المكرمة مما أدى إلى امتناع أهل الحجاز عن الحج،
وأحرق المحمل المصري رمز اجتماع الحجيج ، ولقد رفض أمير الحج الشامي شروط الوهابية
وعاد إلى بلاده ومن معه[12].
كل
هذا دفع بالشريف غالب إلى الموافقة على الصلح مع الوهابيين ، والسماح لهم بالدخول
إلى مكة ، التي بقي حكمها له على أن يحضر الصلاة والسلام على الرسول الكريم بعد
الأذان لأنها بدعة ! ، وأن يوافقهم على ما يريدون. ولقد كان لدخول الجيوش المصرية
الجزيرة العربية للقضاء على الوهابية سنة 1226 هـ / 1811 م ، والتي بقيت حتى عام 1234
هـ / 1818 م ، أثراً كبيراً في تأديب الوهابية ، وإضعاف سيطرتهم على الحرمين
الشريفين ، ولكن ما لبثت القبضة المصرية أن تراخت ، لتقوم قائمة الوهابية ثانية.
وكان من نتيجة استيلائهم على مكة المكرمة ومنطقتها أن انفلت حبل الأمن فانتشر
السلب والنهب ، واضطربت السبل ، ولم يستطيعوا ضبط الوضع بوضع حد لهذا الفلتان ،
وما لبث الوهابية أن زهدوا في مكة بعد أن عاثوا فيها فسادا ؛ فتركوها عندما سمعوا
أن العجم غزو عاصمتهم الدرعية كما يروي الجبرتي ، فعاد إليها الشريف غالب ، وحاول
استعادة الطائف ولكنه فشل بعد أن استطاع حماية جدَّة من هجماتهم الشرسة[13].
لقد
تم احتلال مكة المكرمة احتلالا فعلياً فيما الملك علي بن الملك حسين في جدّة
يحاصره الوهابيون من جهة البر بينما يضيِّق عليه الإنكليز من جهة البحر إلى أن قبل
بالصلح والاستسلام للإنكليز سنة 1924م فانتقل إلى العراق. وقد خطبهم خطبة فتح مكة
الشيخ فيلبي ! ، الذي يسميه الوهابية الشيخ عبدالله ، وقد أذَّن وصلى بالناس في
الحرم إماما ، وعندما احتج بعض شيوخ البادية على ذلك قال قائد الوهابية (يا إخوان
المسلمين لولا هذا الرجل الذي اسمه الشيخ عبدالله فيلبي ما دخلتم مكة
المكرمة وهذا هو مندوب الإنكليز هل تريدون أن أغضبه وأرضيكم!)[14]
وللعلم
فإن احتلال أهل نجد لمكة المكرمة لا يعني أبداً تبعية أهل الحجاز للوهابية
النجديين؛ حيث لا يزال الوهابية يسمون أهل الحجاز بالصوفية ولا يقدمون للإمامة في
الحرمين إلا وهابياً ! وهذا دأبهم مع كل المسلمين لأنهم لا يوافقونهم على ضلالهم
فينتحلون لهم الألقاب فبعضنا خوارج والبعض صوفية والبعض الآخر رافضة والعصمة لأهل
نجد الذين يشير إليهم علماء الحجاز باسم النجديين والقرنيين نسبة إلى قرن الشيطان.
منع
الحجاج من الوصول إلى بيت الله الحرام لقد ذكر المستر هامفر في مذكراته أنه طلب من
محمد بن عبد الوهاب هدم الكعبة المشرفة، ولكنه اعتذر إليه أنَّ ذلك غير ممكن لأن
الدولة العثمانية ستواجهه بكل ثقلها لاستئصال حركته، وستكون نتائج ذلك عكسية عليهم
وعلى مشروعهم، فصرفوا النظر عن المشروع، ولكن الوهابية لم يألوا جهداً عن صدِّ
عباد الله عن بيت الله الحرام ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، وإليكم الأمثلة العملية على
ذلك من تاريخهم المشين: يذكر مؤرخ الوهابية عثمان بن بشر الحنبلي في كتابه (عنوان
المجد في تاريخ نجد) من أحداث 1221 هـ الحادثة التالية ص 139: (فلما خرج سعود من
الدرعية قاصداً مكة أرسل فرَّاج بن شرعان العتيبي، ورجالا معه وذكر لهم أن
يمنعوا الحواج التي تأتي من جهة الشام واسطنبول ونواحيهما ، فلما أقبل على المدينة
الحاج الشامي ومن تبعه، وأميره عبدالله العظم باشا الشام فأرسل إليه هؤلاء الأمراء
أن لا يقدم وأن يرجع إلى أوطانه[15])
ويقول
مفتخراً (ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب (أي بلاد
المغرب العربي كله) وغيرهم إلا شرذمة قليلة من أهل المغرب لا اسم لهم)[16]
والان بعض التفصيل الغير دقيق
مجازر الوهابية للحجيج:
لم
يقتصر نشاط الوهابية الحربي على أبناء قبائل الجزيرة العربية وجوارها بل طال أبناء
الإسلام من قاصدي بيت الله الحرام أيضا في عديد من ا لمناسبات.
وقد
مرت بنا لمحات من اعتداء اتهم على من كانوا يجدونهم في جوار مكة المكرمة والمدينة
المنورة من الحجيج وغيرهم كما مر بنا تسببهم بمنع الحاج سنوات عدة من هذه الجهة أو
تلك ، كما مرت عليكم أخبار شروطهم وتحكمهم بمراسم أداء هذه الفريضة فرأينا قصة
المحمل المصري والمحمل الشامي وغيرها . فلقد جعل الوهابيون الديار المقدسة رهينة
في أيديهم وراحوا يتحكمون بحركة الوفود إليها عن طريق فرض المكوس من جهة وعن طريق
استخدامها لأغراضهم السياسية من جهة أخرى . ففي سنة 1959م منع الحاج السوري من
الوصول إلى مكة المكرمة، كما أرجعت كسوة الكعبة المشرفة المرسلة من مصر ومنع
الحجاج المصريون ما لم يدفعوا المكوس بالعملة الصعبة ، علما بأن فرض الرسوم على
عبادة الله محرم شرعا ، كما منعوا الحاج اليمني بعد انقلاب السَّلال . إلا أن
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، بل تعداه إلى قتل الحجيج العزل المقصود بشكل وحشي
في غير مناسبة ، وقد حفظ الإسلام للوهابيين على هذا الصعيد ارتكابهم مجزرتين
مروعتين : الأولى ضد الحاج اليماني سنة 1341هـ / 1921م والثانية ضد الحاج الإيراني
سنة 1408 هـ/ 1988م
مجزرة الحاج اليماني:
في
سنة 1341هـ/ 1921م انقض الوهابيون على الحاج اليماني المتوجه إلى مكة فقتلوهم غدرا
وغيلة دون أي سبب ، فقد صدف أن التقت سرية من الوهابيين بحوالي ألف من أبناء اليمن
القادمين لأداء فريضة الحج ، وكانوا بطبيعة الحال عزلا من السلاح ، فسايرهم الجنود
الوهابية بعد أن أعطوهم الأمان ، فلما وصل الفريقان إلى وادي (تنومة) والوهابيون
في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا ، انقض المسلحون على الحجاج
بأسلحتهم فأبادوهم فلم ينج منهم إلا اثنان .
وقد
حاول الوهابيون وبعض الأقلام المرتبطة بهم أن يبرروا هذه الفعلة عن طريق الادعاء
بأن الجند الوهابي ظن أن مجموعة الحجاج مجموعة مسلحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معها
، وهو عذر أقبح من ذنب ، فمتى كان اغتيال المسلمين وقتلهم بالظن جائزا؟! ولكن
الوقائع كذبت هذا الزعم بعدما ثبت أن الوهابية لم يقتلوا هؤلاء الوافدين إلى بيت
الله الحرام إلا بعد أن ساروا بمحاذاتهم مسافة معينة وتأكدوا من أنهم لم يكونوا
يحملون أي سلاح [17].
مجزرة
الحجاج الإيرانيين : ارتكبت هذه المجزرة المروعة سنة 1408هـ/ 1986م كما أشرنا فراح
ضحيتها 329 شهيدا ما بين رجل وامرأة ، عدا الجرحى ، فقد كان الإيرانيون يقومون
بمسيرة البراءة من المشركين في صفوف منظمة ويطلقون الهتافات ضد أعداء المسلمين من
شرقيين وغربيين ويدعون المسلمين للوحدة في مواجهة هؤلاء الأعداء قائلين : "
الموت لأمريكا ، الموت لروسيا ، الموت لإسرائيل ، أيها المسلمون اتحدوا ولما انتهت
المسيرة واتجهت الجموع صوب الحرم للزيارة والطواف ، إذا بالقوات الوهابية تحاصرهم
بإطلاق النار الغزير من الرشاشات والبنادق دون تمييز ، فكان هذا الهجوم عدوانا
سافرا دون أي مبرر اللهم إلا الانتقام لأعداء المسلمين والإصرار على منع التعرض
لهم ولو بالكلام. استيلاؤهم على إمامة البيت العتيق لقد كان على مر العصور
الإسلامية مهما بلغ المسلمون من ضعف أو تفرق ، لا يوجد مذهب يستولي على إمامة
البيت الحرام دون غيره من المذاهب الإسلامية ، ففطاحل علماء المسلمين من كل مذهب
يؤمون الناس ويعظونهم ، واليوم لا يسمح لعالم مسلم مهما بلغ من العلم والتقوى أن
ينبس ببنت شفة خطيباً أو إماماً في بيت الله الحرام أو في مسجد الرسول الكريم إن
لم يكن من أولياء الوهابية ، ولقد طرد الشيخ علي جابر من إمامة الحرم لأنه خالف
سدنة هذا المذهب فرفض أن يقنت في صلواته ليدعو لقوات التحالف بالنصر على أهل
العراق ، وهذا منتهى الطغيان والغرور ، فبيت الله الحرام حقٌ مشاع لكافة المسلمين
فالبادي والحاضر فيه سواء ، وليس حكراً لمذهب دون سواه ، فكيف إذا كان هذا المذهب
هو المذهب الوهابي[18]؟!
سؤال
هل
يوجد بعد كل هذا من يشك في صدق طلب المستر همفر من محمد بن عبد الوهاب هدم البيت
الحرام ؟! نعم إنه لم يهدمه ليقينه أن في ذلك نهاية له هو وأن للبيت رباً يحميه ،
ولكن أتباعه ههنا ينفذون الخطة الأهم وهي منع عباد الله من حج بيت الله الحرام[19] ، ونحمد الله أنهم لم
يوفقوا في ذلك. ألا ما أفضع موقف هؤلاء يوم القيامة ؟!
استباحة
دماء المسلمين في المساجد يستغرب البعض مما وقع في حرم الله الآمن بمكة المكرمة من
تقتيل للحجاج الأبرياء حتى أنه لم يسلم حتى الشيوخ والنساء ؛ لا لسبب إلا أنهم
نددوا باليهود والنصارى أيام الحج الأكبر اتباعاً للهدي النبوي حيث قُرأت سورة
براءة على الملأ. إنَّ هذا الاستغراب مردُّه الجهلٌ بالعقيدة الوهابية وتاريخها ،
فالمنظِّر لهذا المذهب محمد بن عبد الوهاب كان لا يتردد بلمز الناس بالشرك ليستحل
بذلك دماء مخالفيه ، حتى وصل به الحال إلى لمز سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء
عليها السلام بالشرك في كتابه (التوحيد) ، وقد مارس ذلك وبكل وقاحة ضدَّ المسلمين
في جزيرة العرب لسفك دمائهم واستباحة أعراضهم ونهب أموالهم ، وسنضرب على ذلك بمثال
مما دوَّنه الوهابية أنفسهم ، فقد جاء في الصفحة (97) من كتاب أصدرته الجهات
الرسمية بالمملكة العربية السعودية بعنوان (تاريخ نجد) نقله حسين بن غنام عن رسائل
محمد بن عبد الوهاب وأشرف على طباعته عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ[20].
يقول
الشيخ محمد بن عبد الوهاب : ( إن عثمان بن معمَّر[21] حاكم بلد عيينة مشركٌ كافر ، فلما تحقق
المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة ، وقتلناه وهو في
مصلاه بالمسجد في رجب 1163 هـ .) وقد فعلوا ذلك من قبل مع (دهّام بن دوَّاس) حاكم
الرياض بقرية العارض حيث أرسلوا إليه من اغتاله.
هكذا
يقتلون المسلمين في المساجد بعد الانتهاء من صلاة الجمعة[22]، وكيف يكون حاكم العيينة
هذا مشركا كافراً وهو المقتول غيلةً في مصلاه بالمسجد يوم الجمعة ؟! إن الجاهل من
المسلمين يعلم أن المتهم بالردة عن الإسلام لا يقتل غيلة بل يستتاب ، وكيف يصح أن
يكون كافراً من قتل في مصلاه بالمسجد ، اللهم العن أهل الفكر الدموي فهم قد أباحوا
دماء عبادك الموحدين[23].
وفوق
هذا فإنَّ محمد بن عبد الوهاب يوضح أنَّ جميع أهل نجد من دون استثناء هم :
(كفرة
تباح دماؤهم ونساؤهم وممتلكاتهم ، والمسلم هو من آمن بالسنة التي يسير عليها محمد
بن عبد الوهاب ، ومحمد بن سعود) راجع الصفحات من 98 إلى 101 من نفس الكتاب[24] ، وهذا مما يؤيد وجهة
النظر القائلة بأن محمد بن عبد الوهاب ليس نجدياً بل يهودياً تركياً ، فالإنسان
بطبعه محب لأهله ووطنه ، فإن كان هذا مجددا فأينه من التأسي برسول الله القائل في
الذين قاتلوه (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)؟.
نعم
والتاريخ يشهد إلى يوم القيامة أن محمد بن عبد الوهاب وحزبه دَمَّروا بلدة العيينة
المكتظة بالسكان عن بكرة أبيها ؛ لأنهم ثاروا على الحاكم الذي عينه الوهابية ،فأضحت
البلدة منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا قاعاً صفصفاً ،بل ومنع بناؤها منذ ذلك اليوم[25] ، ولقد قال محمد بن عبد
الوهاب قولاً لا يرتضيه عاقل عندما علَّل إفناء بلدة العيينة بقوله ( إنَّ الله
سبحانه وتعالى قد صبَّ غضبه على العيينة وأهلها ، وأفناهم تطهيراً لذنوبهم ،
وغضباً على ما قاله حاكم العيينة : عثمان بن معمَّر ، فقد قيل لحاكم العيينة بأن
الجراد آتٍ إلى بلادنا ، ونحن نخشى أن يأكل الجراد زراعتنا ، فأجاب حاكم العيينة
قائلاً ساخراً من الجراد : سنُخرج على الجراد دجاجنا فتأكله ، وبهذا غضب الله
سبحانه لسخرية الحاكم بالجراد آية من آيات الله لا يجوز السخرية منها ولهذا
أرسل الله الجراد على بلدة العيينة فأكلها عن آخرها)[26] هكذا يستخف محمد بن عبد
الوهاب بعقول الناس السذَّج ، فلو يؤاخذ الله الناس بذنوبهم ما ترك عليها من دابة
، هذا لو قطعنا جدلا أن مقولة حاكم العيينة في الجراد ذنبٌ ، وهل هذا من الشرك
الذي يستحق عليه حاكم العيينة القتل في المسجد ؟! ، ومتى كان الجراد يأكل الجدران
والرجال ويأخذ ما تبقى رقيقاً ، ويهدم الآبار ، ويعتدي على النساء ويبقر بطون
الحوامل منهن ويأخذ البقية ليفسق بهنَّ!.
[1] محمد الأمين ، كشف
الارتياب ص 18 نقلا عن الشيخ أحمد بن زيني دحلان
[2] الخطيب ، صفحات من تاريخ
الجزيرة ،ص 178
[3] د.
محمد عوض الخطيب ، صفحات من تاريخ الجزيرة العربية الحديث ص 178 و233
[4] محمد أديب غالب ، من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي ص 90 ، ط. دار اليمامة للبحث والترجمة والإشراف ، طبعة أولى.
[5] السيد
إبراهيم الراوي الرفاعي ، الأوراق البغدادية في الحوادث النجدية ، ص 2-4 ، طبع
مطبعة النجاح ، بغداد ، 1345هـ.
[6] تولى
الأمور بعد مقتل الكابتن شكسبير في حرب الوهابية لآل رشيد في معركة الجراب عام
1915م
[7] اسم
قوات الوهابية الذين عاثوا في الأرض فساداً لتدعيم النفوذ الوهابي بالجزيرة وماحولها
مثلهم في ذلك مثل جيش مسيلمة العرمرم الذي أباد خضراء المسلمين وذهب على يديه كثير
من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله يضرب الظالم بالظالم ؛ فأبيدوا
أيضاً في ما بعد مثلهم في ذلك مثل البرامكة عند العباسيين ، وذلك بعد أن قاموا
بثورة مسلحة ضد الزعامة الوهابية التقليدية بقيادة الدويش بين عامي 1929 و1930
فأفتت الزعامة الدينية بأنهم خوارج فضرب عليهم الحصار ومنعوا من الحصول على
التموين الغذائي ثم قصفهم السلاح الجوي الملكي البريطاني بطائراته ، وتمت تصفية
الكثير منهم جسدياً بعد الاستسلام.
[8] ناصر السعيد تاريخ آل سعود ص193 و 359
[9] وقد
كان ذلك بتوجيه نصراني كما أوضح ذلك زعيم الوهابية الميداني ، المستر (جون فيلبي)
كتابياً وقد ذكرنا مقولته في موضع آخر.
[10] عثمان النجدي ، عنوان المجد في تاريخ نجد (ج1 ،
ص 135)
[11] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[12] السيد
محسن الأمين ، كشف الارتياب ص 27
[13] د.
محمد عوض الخطيب ، صفحات من تاريخ الجزيرة العربية ص 179-180.
[14] السيد
أبو العُلى التقوي ، الفرقة الوهابية في خدمة من؟ ص 116
[15] عثمان
بن بشر الحنبلي ، عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج1 ص 139.
[16] نفس المصدر ، ج1 ص 143
[17] د.
محمد عوض الخطيب ، صفحات من تاريخ الجزيرة العربية ، دار المعراج للطباعة والنشر ،
ص 198-199
[18]
الحقيقة
أن علماء الأمة لن يكونوا كعلماء الوهابية ، يخطبون خطبة الجمعة في المسجد الحرام
بمناسبة مرور مائة عام على قيام الدولة السعودية ، كما فعل الشيخ السديِّس هذا
العام 1419هـ!! حتى اضطر كثير من العقلاء للخروج من المسجد وتركه لتهريج الوهابية
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[19] منع 16 ألفاً من الحجاج العراقيين هذا العام 1419هـ من العبور براً لأداء مناسك الحج دليل حديث على ذلك.
[20] أي آل الشيخ محمد بن عبدالوهاب فعلمهم وراثي!
[21] ينسبه
إلى جده ، وإلا فإنه عثمان بن حمد بن معمر كما ذكره ابن بشر في عنوان المجد 1/8.
[22] وممن أرخ لهذا العمل الشائن مؤرخ الوهابية ابن بشر في عنوان المجد 1/23
[23] يثبت
ابن بشر في عنوان المجد 1/13 أن عثمان هذا ذهب إلى ابن عبدالوهاب في الدرعية
للمصالحة ونبذ الخلاف خوفاً من شره على أهل العيينة ولكنه عاد من عنده بخفي حنين.
[24] أي
تاريخ نجد
[25] ناصر السعيد ، تاريخ آل سعود ، ص 21
[26] راجع التقوي ، الفرقة الوهابية في خدمة من؟ ، طبعة الإرشاد للطباعة والنشر بيروت – لندن ، ص 31 –32. وعثمان بن بشر النجدي الحنبلي ، عنوان المجد في تاريخ نجد ، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض ، ج 1 ، ص 23
[27] رواه الطبراني في الكبير (11/79) عن طريق ابن
عباس ، ورواه غيره عن طريق أبي هريرة بلفظ (من أعان على قتل مؤمن) وقد رواه بهذا
اللفظ البيهقي في السنن الكبرى (8/22) وأبو يعلى في مسنده (10/306) ، وابن ماجة في
سننه (2/874) ، وإن كان في إسناده مقال فإنه معضود بصريح الكتاب في قوله تعالى { (
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}
قال ابن عباس كما في صحيح البخاري ومسلم ( هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا
شَيْءٌ) وكذلك صريح السنة ، كقوله صلى الله عليه وسلم عند أحمد عن طريق معاوية (
كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا
أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ) ، و قوله صلى الله عليه وسلم عن
طريق أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ( لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ
الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ)
ويرى ابن عباس أن ليس لقاتل النفس المؤمنة من توبة كما رواه مسلم ( عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لَا قَالَ فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ
الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) إِلَى
آخِرِ الْآيَةِ قَالَ هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ (
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا ) يقول
ابن عباس (وقوله صلى الله عليه وسلم عن قاتل المؤمن (وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ
سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَجِيءُ
مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا يَقُولُ سَلْ هَذَا فِيمَ
قَتَلَنِي ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا وَمَا نَسَخَهَا) رواه
النسائي وعند ابن ماجة (وأنى له الهدى) مكان (التوبة).
تعليقات
إرسال تعليق